المتنبي والعيد وأهل مصر

حب الشهرة والبحث عنها من خلال التعلق بأصحاب الزعامة والمبالغة في مدحهم ومجاملتهم هي أبرز الخطوط العريضة التي ترسم لنا ملامح شخصية أبي الطيب المتنبي شاعر الحكمة الأول الذي مازالت أبياته أصداء تتردد على ألسنة محبي الشعر من نقاد وغيرهم باعتبار طريقته الفنية الخاصة التي من خلالها يعبر عن معاني فلسفية هي نتاج تجارب حياتية عاش تحت ظروفها المختلفة
سيف الدولة وكافور الأخشيدي وبن عميد شخصيات لها دور رئيس في الأحداث التاريخية التي تكونت من خلالها السيرة الأديبة له
عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ=بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ
أم الأحبة فالبيداء دونهمُ=فليت دونك بيدا دونها بيدُ
هذه القصيدة من أشهر قصائده والتي قالها عند فراره وخروجه من مصر متذمرا من كافور الأخشيدي ومن الناس في الفسطاط حيث لم يجد في كافور ما يمكن أن تقبل فيه نفسه شيئا من المدح والثناء الذي يستحق وأدرك كافور ذلك وحاول أن يتابع تحركاته طيلة وجوده في مصر خوفا من الأثر النفسي الذي يمكن أن ينعكس على الشاعر العبقري فيكون منه أبيات من الهجاء تبقي لكافور وأهل مصر من العار ما بقيت أبياته وبالفعل كان ما خشي منه كافور حيث تسلل المتنبي هاربا في يوم العيد عند انشغال أهل مصر بإقامة الاحتفالات والمراسيم فقال أبياته تلك وفيها هجاء لكافور :
لا تشتري العبد إلا والعصا معه=إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
العبدُ ليس لحر صالح بأخ=لو أنه بثياب الحر مولودُ
أكلما اغتال عبدُ السوء سيدَه=أو خانه فله في مصر تمهيدُ؟
صار الخصي إمام الآبقين بها=فالحرُ مُستعبَدٌ والعبدُ معبودُ
ثم أخذ بعد ذلك يصف كافور وقومه بالبخل والكذب :
إني نزلت بكذابين ضيفهمُ=عن القرى وعن الترحال محدودُ
جودُ الرجال من الأيدي وجودُهمُ=من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
ومن أكثر الأبيات في القصيدة عبقرية قوله :
لا يقبض الموتُ نفسا من نفوسهمُ = إلا وفي يده من نتنها عودُ
يقول إن الموت يأنف منهم وإن نفوسهم فيها من الخبث والنتن ما يجعله يستعمل عند استخراجه لها آلة من العود حتى لا يلامس شيئا منها بحكم خبثها و نجاستها
أو قد يكون المعنى أنه يحتاط لنفسه طيبا من العود يذهب به نتن تلك النفوس عند استخراجها والفراغ منها لا شك أنه مبالغ في ذلك مبالغة الشعراء

الأستاذ عصام والأستاذ رامي سعدت كثيرا بمروركما
كل عام وأنتما بألف خير